ماذا تعرف عن قناع صوياجاك و الثّور النّحاسي و المخلعة و الشّوكة الزنديقة؟
هي أدوات و أساليب تعذيب من القرون الوسطى مورست على المهرطقين و السّاحرات و الموريسكين، يقال أنّها اندثرت لكنّها تحوّلت الى أشكال أخرى خصوصا في سجوننا العربيّة الّتي تطال المعارضين،قلع للأسنان و الأظافر، الإخصاء، سلخ للجلد، تمليح الجروح، كيّ بأعقاب السّجائر،الاغتصاب و ايلاج الأجساد الصّلبة في الدّبر،الصّعق الكهربائي، التّعليق، وضعية الدّجاج المصلي،الحرمان من النّوم، الظّلام...قائمة طويلة و مازالت تطول بفضل عقلنا العربي المبدع في مجال تعذيب الذّات و الغير.اضافاتنا في هذا المجال و اسهامنا في الإرث اللّإنساني في التّعذيب لا يمكن حصرها في مقال أو مجلّدات.
تفوّقنا على الجميع في التفنّن في التّعذيب و بناء السّجون، معتقلات النّازية و سجون الاحتلال الصّهيوني و أبو غريب و غوانتنامو هي لا شيء أمام ما نشاهده أمام أعيننا.
مسلخ صيدنايا و تدمر و غيرها افرزت لنا بعد أن لطم جدرانها موج الطّوفان سيلا من المشاهد الّتي يعجز الإنسان عن وصفها و قد لا يستعبها كلّ أدب السّجون.
مجموعة من الشباب مذعورون و قد ظنّوا أنّ محرّريهم هم السّجانون الّذين قدموا لاقتيادهم إلى غرفة الإعدام، كهل نسي تفاصيل صفحة وجهه في المرآة،آخر لم تقدر عيناه على تحمّل ضوء النّهار بعد سنين في الظّلمة، شابة ثلاثينية سجنت عزباء لتخرج بطفلين لا تعلم من آباؤهما و قد لا يفهم الطفلان معنى الشّجرة و العصفور كما في القصّة المرويّة للمفكّر السّوري الرّاحل ميشال كيلو،شاب فقد عقله و ذاكرته و قد تبيّن أنّه كان طالبا في كلّية الطبّ كان في طريقه ذات مرّة لاجتياز إمتحان ليجد نفسه في السّجن دون محاكمة أو سبب واضح، عجوز قضى في الزنزانة 43عاما لرفضه قصف أهله و آخرون استخرجت لهم شهادات وفاة ليتبيّن أنّهم ما يزالون على قيد الحياة، مآسي و حكايات خرج بعضها للضّوء و أغلبها بقيت محفورة على جدران البنايات و في أقبيتها تحت الأرض إذ لا يعلم كم عدد الّذين مازالوا يقبعون في الزنزانات و في المتاهات .
تلك السّجون الّتي أبدع النّظام المجرم في تشييدها أيّما ابداع و اختلق كلّ أشكال التّعذيب و التّدمير و التّقتيل حتّى أنّهم اكتشفوا مكبس الاعدامات الحديدي ، إذ بعدما يتمّ إعدام السّجين شنقا يضعوه بالمكبس ليصبح مثل الورقةويتمّ سحق جسده وعظامه،لتوضع بقاياه في كيس ويتمّ التخلّص منها خارج السّجن،كما وجدوا غرف الملح و مازالت الاكتشافات تتكشّف لتكشف عن وجه أبشع و أقبح نظام عربيّ وجد على مرّ التّاريخ.
لا أدري بأيّ وجه يمكن لأحدهم أن يواصل في الدّفاع عن مثل هذا الوجه؟
كيف له أن يبرّر جرائم لا يمكن لها أن تبرّر؟
فرحة كفّ أذى هذا المسخ المتوحّش على شعب كلّ ذنبه أن تطلّع للكرامة و للحرّية و للحياة هي أكبر فرحة و يكفي الثّورة السّورية أن يكون لها أكبر انجاز،يكفيها أن رفعت الأذى عن إنسان مظلوم و يكفيها أن حرّرته حتّى و لو كان إنسانا واحدا فما بالك إذا كانوا بالآلاف.
دعونا نفرح لفرحة هؤلاء المستضعفين و المعذّبين و لا تنغّصوا علينا فرحتنا بشعاراتكم الزّائفة عن مقاومة و ممانعة لم تكن إلّا مقاومة لمنع تحرّر الإنسان و قيامته.
لا تهتمّوا و لا تحملوا همّا فهذا الطّوفان من ذاك الطّوفان و تحرير الأوطان يمرّ حتما عبر تحرّر الإنسان.
د. محمّد فتحي الشوك