في تدوينة نشرها القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي، ثمّن تواتر المواقف العقلانية الصادرة عن عدد من الشخصيات الأكاديمية والسياسية، الداعية إلى فتح حوار مع الإسلاميين بعيدًا عن منطق الإقصاء. واعتبر الشعيبي أن المسؤولية مشتركة عن مناخات التخوين والتنمر السياسي، داعيًا إلى الاعتراف المتبادل كأساس لتجاوز الخلافات وبناء الثقة. وانتقد بشدة الحملات الفايسبوكية التي تُدار من أطراف مجهولة، معبّرًا عن أسفه لتحول دعوات الانفتاح إلى فرص جديدة للترذيل والإدانة.
و هذا نص التدوينة:
تواتر النصوص العقلانية الصادرة عن بعض الشخصيات الاكاديمية والسياسية المنادية بالحوار مع الاسلاميين والمتحرّرة من دعوات الاقصاء، لا يجب أن تقابل من طرف هذا المعسكر الا بالانفتاح والتعاطي الايجابي.
لا يجب أن ننسى أن المسؤولية متبادلة عن مناخات الترذيل والتخوين والتتافي. فكثيرا ما تحولت الحملات الفايسبوكية الى نوع من التنمر الفضيع، انسياقا وراء أصوات مجهولة من غير المستبعد اندساسها في خطاب ووعي هذا الفريق أو ذاك، ولكن أيضا تحت مفعول ردود أفعال تجاوزت قيم ومفردات الحوار السياسي والفكري.
أعلم أن هذا الكلام لن يعجب مؤججي المعارك الهووية وزارعي الأحقاد، لكنني لم أكتب يوما لأرضي أيّا كان، وانما فقط لأعبر عما أراه صائبا..
أقول هذا الكلام لأن ثقافة الحوار الفكري والسياسي التي تشبع منها مناضلو التيار الاسلامي خلال الثمانينات بعيدة كل البعد عن التعصب الذي أراه في مفردات بعض فرسان التواصل الاجتماعي الذين لا نكاد نعرف هوية بعضهم الا من خلال ما يضعوه من أسماء على جدرانهم. حتى أنني في احدى المرات خسرت ثقة أحد الأصدقاء ممن احتج عليّ لعدم مساندته في معركته التراجيدية مع من اعتبرهم "جمهور النهضة" على الفايسبوك. ورغم أنني حاولت افهامه ان من يتحدث عنهم لا اعرفهم حقيقة ولا اجد لهم أثرا في هياكل الحركة أو حتى منخرطيها، بل وبدخولي لحساباتهم وجدتهم أكثر بذاءة في ترذيل النهضة وخطابها ورموزها، الا أن هذا الصديق لم يقتنع برسالتي. ورغم أنني حاولت افهامه ان حشر وتجييش تيارين "ديمقراطيين" في خلاف مثل هذا لا يفيد معركتنا ضد الاستبداد وانما يزيد في انقسامنا، الا أنه يبدو أنني لم أكن مقنعا بالشكل الكافي، وللأسف فقدت صداقته بل وثقته أيضا..
واليوم تتواتر الأصوات المنادية بفتح نوافذ التواصل بين الفرقاء السياسيين بناء على قاعدة الاعتراف المتبادل وتجاوز خطاب الاقصاء، وعوض أن يتلقى الجميع هذا الخطاب بايجابية، تتحول دعوات الانفتاح الى مناسبة جديدة للادانة والترذيل. أخشى أنّ أبشع ما يمكن أن يرتهن الانسان هو الشعور بالمظلومية وما ينتج عن ذلك من مشاعر الخوف المرضي من الاخر ومن كل اختلاف..
اذا نجوت من معركة فلا تنظر لنفسك باعتبارك ضحية وانما ك"ناجي" عليك أن لا تأخذ من الماضي الا بما يجعلك لا تتحول الى ضحية مرة أخرى..
هذا ما نحاول أن نبنيه طوال أربع سنوات من مقاومة الاستبداد، وهذا ما نحاول أن نبني عليه مستقبلنا في اطار شراكات حقيقية مبنية على الاعتراف المتبادل وعلى بناء الثقة باعتبارها المنطلق لكلّ ما هو انساني..
يجب أن نميز بين الاعتراف الاجرائي المطلوب كأرضية للتعايش والاختلاف، وبين أن تكون لنا اراء مختلفة وتقييمات متناقضة لتجاربنا..
داخل اطار هذا الاعتراف المتبادل يجب ان يستمر التنوع في المقاربات، وأن يكون الحوار أساس للحسم في كل الخلافات..
لا شك أن خطاب كل الفرقاء مسكون بمفردات العنف والتنمر، لكن مراجعة هذا الخطاب لا يمكن ان يحصل الا من خلال هذا الاعتراف، لذلك لا يمكننا الا أن نثمن هذه النصوص المتواترة عن الحاجة لمغادرة مربع الاقصاء والتنافي والتأسيس لثقافة العيش معًا...