أثار فرض الولايات المتحدة الأمريكية رسومًا جمركية بنسبة 25% على الصادرات التونسية موجة جدل واسعة في الأوساط الاقتصادية والسياسية، حيث اعتبر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي في تدوينة تحليلية أن هذا القرار الأمريكي لا يندرج فقط في إطار ما تسميه إدارة ترمب بـ"أمريكا أولًا" أو "مكافحة الممارسات التجارية غير العادلة"، بل يتجاوز ذلك ليحمل أبعادًا سياسية واضحة، خاصة في علاقة تونس بعدة ملفات إقليمية ودولية.
وقال الشكندالي إن هذه الزيادة في الرسوم تأتي ضمن سياسة أمريكية أشمل تستهدف الدول التي تعتبرها قريبة من الصين أو من تكتل "البريكس"، مشيرًا إلى أن التقارب التونسي-الجزائري، وطلب الجزائر الانضمام إلى البريكس، قد يكون من بين الدوافع التي دفعت واشنطن إلى إدراج تونس ضمن قائمة الدول الخاضعة لتعريفات جمركية مرتفعة.
وأكد أن الأرقام تدعم هذا التوجه، حيث سجّلت تونس خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2025 عجزًا تجاريًا قدره 8.5 مليار دينار مع دول مجموعة البريكس، وهو رقم يفوق العجز التجاري الجملي لتونس في الفترة نفسها.
وعلى الجانب السياسي، لم يستبعد الشكندالي أن يكون الموقف الرسمي التونسي الداعم للقضية الفلسطينية، والاهتمام الإعلامي الذي رافق انطلاق "قافلة الصمود" من تونس نحو الأراضي المحتلة، من العوامل التي دفعت الولايات المتحدة إلى استخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط سياسي في سياق ما سماه بـ"الشرق الأوسط الجديد".
وعلى الرغم من أن الصادرات التونسية إلى الولايات المتحدة تبقى محدودة — حيث بلغت 2 مليار دينار سنة 2024 (3.2% من إجمالي الصادرات) — إلا أن الشكندالي حذر من تداعيات القرار على القطاعات الحساسة، وعلى رأسها التمور وزيت الزيتون والنسيج، والتي قد تفقد تنافسيتها بفعل الرسوم الجديدة، ما قد يدفع المستثمرين الأجانب، خاصة في قطاع النسيج، إلى تحويل استثماراتهم نحو وجهات أكثر تنافسية كالمغرب، الذي فُرضت عليه رسوم أقل بنسبة 10%.
وأوضح الشكندالي أن هذه الأزمة قد تمثل من جهة أخرى فرصة لتونس لمراجعة سياستها التجارية الخارجية وتقييم مجمل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها، لا فقط مع الولايات المتحدة، بل أيضًا مع الاتحاد الأوروبي، وتركيا، والصين، بما يضمن حماية المصلحة الوطنية.
كما دعا إلى الإسراع في تنفيذ استراتيجية تحسين مناخ الأعمال، لا سيما في قطاع النسيج، وتوفير حلول عاجلة لدعم الفلاحين في قطاعات تصديرية استراتيجية مثل التمور وزيت الزيتون، عبر تحمل الدولة جزءًا من التكاليف مؤقتًا إلى حين إيجاد أسواق بديلة.
وختم الشكندالي بالتحذير من أن فترة التفاوض مع الجانب الأمريكي ستكون قصيرة ومحمّلة بملفات اقتصادية وسياسية حساسة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة قد تطلب اتفاقًا شبيهًا باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل معاملة تجارية بالمثل لتجنب الرفع الإضافي للرسوم في المستقبل.