حذّر الناشط السياسي غازي معلى، في قراءة تحليلية لتعداد السكان والسكنى لسنة 2024، من تحولات ديمغرافية وهيكلية عميقة تهدد التوازنات الاقتصادية والاجتماعية في تونس، داعياً إلى اعتماد سياسات استباقية لمواجهة "أزمة رأس المال البشري" التي بدأت ملامحها تتجلى بوضوح.
وأوضح معلى أن عدد سكان تونس بلغ حوالي 11.97 مليون نسمة، بمعدل نمو سكاني لا يتجاوز 0.87%، وهو ما اعتبره من أدنى المعدلات في المنطقة. وأبرز أن هذه المعطيات تؤشر إلى تسارع في شيخوخة المجتمع، حيث تجاوزت نسبة السكان الذين تفوق أعمارهم 60 سنة 16.9%، في حين تراجعت نسبة الأطفال دون سن الخامسة إلى 5.9% فقط.
وأشار إلى أن متوسط العمر في تونس بلغ 35.5 سنة، مع نسبة إعالة ديمغرافية للمسنين في حدود 28%، مما يضع البلاد، حسب تعبيره، في مرحلة "الانتقال الديمغرافي المتأخر"، حيث تتقلص القاعدة المنتجة وتتسع القاعدة المستهلكة، ما يزيد الضغط على أنظمة التقاعد والصحة.
وانتقد معلى التفاوت المجالي الحاد، مبيّناً أن 59.1% من السكان يتمركزون في المناطق الساحلية، مقابل نزيف سكاني في ولايات داخلية كالكاف وقفصة وسليانة. واعتبر أن هذا التفاوت يكرّس تهميش المناطق الداخلية ويعمّق الفجوة التنموية، ويؤدي إلى تمركز الاستثمارات في الشريط الساحلي دون غيره.
وعلى المستوى الاقتصادي، أشار إلى تقلص حجم الفئة النشيطة (بين 15 و59 سنة)، وتزايد هجرة الكفاءات، وتآكل القاعدة التي تموّل أنظمة الضمان الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى نمو اقتصادي ضعيف لا يتجاوز 2% سنوياً في ظل غياب إصلاحات هيكلية.
وفي توقعاته لأفق 2034، رجّح معلى أن يتراوح عدد السكان بين 12.7 و13 مليون نسمة، مع ارتفاع نسبة المسنين إلى 25%، وتزايد الحاجة إلى بنى تحتية صحية واجتماعية ملائمة. كما حذر من إمكانية ظهور "صدمات جيلية" نتيجة تباين فرص التشغيل والإنتاجية بين الأجيال.
وختم معلى تحليله بالتأكيد على أن الأرقام الصادرة عن التعداد العام ليست مجرد معطيات إحصائية، بل مؤشرات إنذار استراتيجية، مشدّداً على ضرورة إعادة صياغة السياسات السكانية والاقتصادية لتفادي أزمة ديمغرافية واجتماعية وشيكة.