أثار قرار السلطات التونسية سحب إعلانها بموجب المادة 34 (6) من البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية دولية ومنظمات مجتمع مدني تونسية، التي اعتبرت أن هذه الخطوة تمثل انتكاسة خطيرة لجهود المساءلة في قضايا حقوق الإنسان، وتكرس التراجع المستمر للحريات وسيادة القانون في تونس منذ استحواذ الرئيس قيس سعيد على السلطة في جويلية 2021.
بموجب هذا القرار، لم يعد بإمكان الأفراد والمنظمات غير الحكومية رفع قضايا مباشرة ضد تونس أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، مما يحدّ بشكل كبير من قدرة الضحايا والمدافعين عن الحقوق على طلب العدالة وسبل الإنصاف وجبر الضرر. واعتبرت المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان أن هذا القرار يعكس عدم احترام السلطات التونسية لمنظومة حقوق الإنسان الإفريقية ولمبادئ المساءلة القانونية، ويؤكد عزمها على تفادي أي رقابة دولية على انتهاكاتها.
وأشارت المنظمات إلى أن الحكومة التونسية فشلت في تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإفريقية، وهو ما يعكس تجاهلها الكامل للطبيعة القانونية الملزمة لهذه القرارات. ووفقًا للمعطيات المتوفرة، فقد تم إبلاغ مفوضية الاتحاد الإفريقي بقرار الانسحاب في 7 مارس 2025، على أن يدخل حيز التنفيذ بعد عام، أي في 7 مارس 2026. وخلال هذه الفترة، لا يزال بإمكان الأفراد والمنظمات الحقوقية رفع قضايا مباشرة ضد تونس أمام المحكمة الإفريقية، فيما ستظل القضايا العالقة والمقدمة قبل هذا التاريخ سارية المفعول.
المنظمات الحقوقية التونسية والدولية دعت الحكومة إلى إعادة النظر في هذا القرار والتراجع عنه، مؤكدة أن مثل هذه الخطوات تزيد من عزلة تونس على المستوى الحقوقي الدولي. كما دعت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للضغط على السلطات التونسية للتراجع عن هذا القرار، والاستمرار في مراقبة الوضع الحقوقي في البلاد لضمان عدم إفلات المسؤولين من المساءلة.
يُذكر أن المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب سبق أن أصدرت عدة أحكام ضد السلطات التونسية خلال السنوات الماضية، من بينها الحكم الصادر في سبتمبر 2022 الذي أمر بإلغاء المراسيم الرئاسية التي اعتُمدت في ظل "حالة الاستثناء"، معتبرة أنها تنتهك حق المواطنين في المشاركة السياسية، وألزمت السلطات بالعودة إلى النظام الدستوري خلال عامين وإنشاء محكمة دستورية مستقلة. كما قضت المحكمة في أوت 2023 بضرورة ضمان الرعاية الطبية للمعتقلين، وتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم، والكشف عن الأسس القانونية لاحتجازهم. وفي أكتوبر 2024، أصدرت المحكمة حكمًا بتعليق العمل بالمرسوم الذي يسمح للرئيس بعزل القضاة بشكل تعسفي، معتبرة أن القرار يشكل تهديدًا لاستقلالية القضاء والقضاة.
هذه الأحكام التي تم تجاهلها من قبل السلطات التونسية تشير إلى التدهور المستمر لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، وتضيف المزيد من الأدلة على محاولات الحكومة التونسية لتقليص نطاق الرقابة الدولية على ممارساتها.