إثر انعقاد مكتبه التنفيذي الاثنين 14 أكتوبر 2024 أصدر صباح اليوم الحزب الاشتراكي بيانا انتقد فيه مسار الانتخابات الرئاسية التي بذلت فيها السلطة كل ما في وسعها لتكون صورية في ظل الاستبداد الذي مارسه سعيّد صد معارضيه ليُكرس نظام الحكم الفردي
واعتبر الحزب ان الانتخابات أنتجت وضعا أعقد من السابق وفيما يلي نص البيان كاملا
لم تخرج نتائج الانتخابات الرئاسية لـ 6 أكتوبر عمّا كان متوقعا، لأن السلطة بذلت كل ما في وسعها لتجعلها صورية وفي مقام التزكية للمرشح قيس سعيد، فقد أحاطت بالمسار الانتخابي سياسيا وقانونيا وإجرائيا بشكل جرّدها من امكانية أن تكون حرّة وديمقراطية شفافة ونزيهة وأفقدها قوّتها التي تمكن السلطة من تجديد شرعيتها، خاصة وأن مجال حرّية الترشح والاختيار تمّ التعدّي عليه عن طريق تنقيح القانون الانتخابي وتمكين الهيئة من ولاية عامة على الانتخابات لها الكلمة الفصل في كل ما يهم الشأن الانتخابي.
لقد أطر الاستبداد الذي مارسته سلطة 25 جويلية ضد مخالفيها وقمع الحريات لأكثر من ثلاث سنوات ونظام الحكم الفردي لقيس سعيد المناخ الانتخابي وكيف مسار العملية الانتخابية برمته وتمظهر ذلك في:
أـ التضييق الكبير الذي عرفته الحريات العامة والفردية، سواء بالنسبة للسياسيين ونشطاء المجتمع المدني والنقابيين والصحفيين والمعلّقين أو المدونين وحتى مواطنين غير مهتمين بالشأن العام وظلت مراقبة تحت سيف المرسوم 54 وكان قد تم منذ أكثر من عام ونصف الزج بمرشحين محتملين في السجن دون محاكمات وبتهم لم تثبت النيابة العمومية ارتكابهم لها ومنها تهمة " التآمر على أمن الدولة"، وذلك لصدّ الباب أمام إمكانية ترشحهم ومنافستهم للرئيس الحالي الذي يرفض "تسليم السلطة لغير الوطنيين" وخاصة أولائك الذين انتقدوا الحصيلة الصفر للخمس سنوات من حكمه وهي سياسة عمّقت تغوّل السلطة التنفيذية وخاصة رأسها على باقي السلطات واستفراده بالحكم منذ 25 جويلية 2021 وبصورة خاصة منذ صدور الأمر 117 الذي أعطى للإنقلاب على الدستور وعلى مؤسسات الجمهورية تفسيره وسنده القانوني ومركز كل السلط بين يدي الحاكم السيادي و أتى دستور 2022 الذي لم يشارك في الاستفتاء عليه سوى ثلث الناخبين ليحوّلها إلى مجرد وظائف خاضعة للسلطة التنفيذية ولرئيس الدولة ، الذي عمل ولازال على تهميش الأحزاب والجمعيات والمنظمات بما فيها اتحاد الشغل وتحييدها من المشاركة في الحياة السياسية ونصب العداء لكل منتقدي مسار 25 جويلية متهما إياهم بالمارقين عن الدولة وبالعمالة والخيانة بغاية وحيدة وهي الحفاظ على السلطة بين يديه باعتبارها "ابتلاء وليس خيارا" !!
ب ـ تعيين هيئة الانتخابات من طرف قيس سعيد ونصب رئيسها لتمنح الشرعية الشعبية لكل عمل تشريعي أو تأسيسي يقوم به عن طريق تنظيم الاستفتاء والانتخابات التشريعية والرئاسية أيضا وقد بلغ بها الأمر إلى رفض قرارات المحكمة الإدارية التي أصدرت أحكاما لا تقبل الطعن في شأن حرمان الهيئة لمترشحين من حقهم في الترشح للرئاسة.
لم يتوقف الاستخفاف بالقانون وبالإجراءات عند هذا الحد ، فقد تعمد مجلس النواب (غير الممثل) إلى إدخال تعديل على القانون الانتخابي في الأسبوع الأخير للحملة الانتخابية سحب به صلاحيات المحكمة الإدارية بشأن البت في النزاعات الانتخابية وإحالته لمحكمة الاستئناف بتونس ابتدائيا واستئنافيا لمحكمة التعقيب وبذلك سقطت حرّية الترّشح للرئاسة كما لأي مؤسسة تمثيلية أخرى ممّا حوّل العملية الانتخابية الرئاسية إلى عملية شكلية ومجرّد تزكية لرئيس أراد منذ البداية الفوز من الدور الأول بقصب السباق وحصل ذلك بشكل معلوم ومخطط له منذ اتخاذ إجراءات 25 جويلية 2021 والذي كان الغرض منها استدامة حكم قيس سعيد وتوفير كل شروط بقاءه في السلطة ولأطول فترة ممكنة.
لقد أنتجت انتخابات 6 أكتوبر وضعا أعقد وأخطر من السابق وسيحتاج الشعب التونسي إلى سنوات أخرى من المعاناة جراء الفقر والاحتياج والخصاصة بعد خماسية قاحلة تفتقد لرؤية واضحة بشأن منوال التنمية والاستثمار الوطني والإصرار على المحافظة على آليات الفشل الاقتصادية والاجتماعية التي انتفض الشعب التونسي ضدها في 17 ـ 14، فمخططات التنمية لم تخرج عن تعليمات صندوق الدولي والدول المانحة، رغم الضجة المتعالية لقيس سعيد حول التعويل على الذات ومقاومة الفساد وعلى الدولة الاجتماعية وهاو نظامه يتباهى بأن تونس بصدد الإيفاء بتعهداتها المالية والحال أن المديونية ارتفعت بشكل ملفت أثقلت كاهل الدولة التونسية والشعب التونسي ورهنت مدخراتها على عشرات السنين للصناديق الدولية مما أثر وسيأثر في المستقبل القريب على تدهور الوضع الاجتماعي للمواطنين وعيشهم والتدني المستمر لقدراتهم الشرائية و لذلك يتم غلق الباب أمام أي مفاوضات اجتماعية مع المنظمة الشغيلة للزيادة في الأجور وتحسين أوضاع الشغالين والمواطنين.
من جانب آخر، وفي المقابل فإن المعارضة الديمقراطية والجمهورية نجحت بشكل جلّي في تعرية مظاهر الاستبداد والحكم الفردي، رغم المحاكمات الجائرة والتضييقات المستمرة على الحريات، فالشبكة التونسية للحقوق والحريات استطاعت أن تعيد التوهج للشارع بعدما أدركت جلّ مكوناتها أن وحدتها هي أساس الفعل المدني والسياسي بروح شبابية متمردة ضد القمع والمنع من ممارسة الحريات الأساسية العامة والفردية واستطاعت الأحزاب التقدمية المعارضة من ضبط تحركاتها ومواقفها في اتجاه وحدة الصوت والاحتجاج والموقف خاصة وان المسار الانتخابي برمته ترك إجماعا بضرورة التنسيق والاتجاه الموحد نحو مقاطعته ودعوة الناخبين إلى خلق فراغ واسع حول صندوق الاقتراع، فقلما شهدت انتخابات في بلادنا هذا الرفض والمقاطعة من اغلب المكونات الديمقراطية ومن عزوف متعاظم لدى جلّ فئات الشعب التونسي بمثقفيه ونخبه وفنانيه وبمختصي القانون من أساتذة وعمداء كليات الحقوق.
إن هذا العمل والنجاح يتطلب مزيدا من المراكمة والتحلي بالثقة بين مختلف القوى الجمهورية، الديمقراطية واليسارية، تعمل على وضع بديل قائم على مبادئ النظام الجمهوري، بقيمه ومؤسساته ويعطيه المكانة اللازمة، وعلى التمسك بالسيادة الوطنية التي تسمح للقرار الوطني بإمكانية بناء الذات الوطنية في إطار منوال تنمية تضامني، مرتكز على اقتصاد اجتماعي وعلى الدولة الراعية والحامية لمقدرات الشعب التونسي ويثمنها ويؤسس لتغيير واقعي يأخذ بعين الاعتبار رغبته في الإنعتاق والتحرر من براثن الشعبوية والاستبداد مهما كان مأتاه ويفتح باب الحرية على مصراعيه للمبدعات والمبدعين في مختلف مجالات الخلق والابتكار والفن معتمدين على ما وفرته الانسانية من علم وتطور تكنولوجي هائل يؤهلنا لدخول اقتصاد المعرفة وتطويعه لمتطلبات الشباب التونسي وتطلعاته من أجل ازدهار تونس وشعبها.
ثانيا:
الوضع الداخلي للحزب:
أكد اعضاء المكتب التنفيذي على دور مناضلات الحزب ومناضليه في المرحلة القادمة وتحملهم لمسؤولياتهم تجاه شعبهم بالتوضيح المستمر لبرنامج الحزب وتحالفاته والعمل في الجهات على مدّ جسور التواصل بينهم وبين مختلف المكونات الجمهورية، الديمقراطية واليسارية، والتأسيس لبدائل محلية وجهوية ارتباطا بمشاغل الناس واحتياجاتهم.
هذا وقد أكد المكتب التنفيذي على مواصلة العمل الحزبي وتأطير المواطنات والمواطنين وحثهم على المشاركة في الشأن العام بعيدا عن العزوف لما له من أضرار جسيمة على الاختيار الأصوب والأقدر لإخراج البلاد من أزمتها العميقة والاستعداد منذ الآن لعقد المؤتمر الوطني السادس في غضون السنة القادمة.